دراسات

الصهيونية المسيحية وخطورة استثنائيتها

مبادئ الصهيونية المسيحية


تُعرَف الصهيونية المسيحية بدعمها المطلق للمشروع الاستعماري الصهيوني منذ قيام النظام الإسرائيلي بالعنف في 1948، وطوال الاستيطان اليهودي في فلسطين، كجزء من إيمان الفرد المسيحي. حين يدعم الصهاينة المسيحيون الاستيطانِ اليهودي في فلسطين، فإنهم يدعمونه من أجل خلاصهم، وليس خلاص الشعب اليهودي، ولذلك يسعون جاهدين إلى قدوم آخر الزمان الذي يقتتل فيه اليهود وغيرهم من غير المسيحيين بينما يصعدون هم إلى السماء. ومع ذلك، فإن هذا الالتزام الأيديولوجي يضع الصهاينة المسيحيين في صف الحكومات الإسرائيلية وسياساتها الاستعمارية والعدائية تجاه الفلسطينيين وإيران وغيرهم من خصوم النظام الإسرائيلي.

على الرغم من أن العديد من زعماء الصهاينة اليهود يُقرّون بسخرية التحالف مع الصهاينة المسيحيين، إلا أنهم يرحبون بدعمهم لأنه يعزز أهداف النظام الإسرائيلي السياسية ويقيه الانتقادات.

الصهيونية المسيحية وسياسة الولايات المتحدة تجاه النظام الإسرائيلي

بلغَ النفوذ السياسي الصهيوني المسيحي المتنامي منذ عقود ذروته في العام 2016 عند انتخاب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، حيث أمسى اصطفاف البيت الأبيض مع اليمين المتطرف من الصهاينة والعنصريين البيض متناغمًا وجليًا. وبالإضافة إلى بنس وبومبيو، عيَّن ترامب ستيف بانون كبيرًا للمخططين الاستراتيجيين، وهو الذي وصف نفسه بأنه صهيونيٌ مسيحي، ووصف موقعه الإخباري بريتبارت بأنه “منصة اليمين البديل،” وكان محط احتفاء القوميين البيض. أمّا ديفيد فريدمان، سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل في عهد ترامب والمموِّل والمؤيد المعروف للمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الضفة الغربية، فله علاقات وطيدة بالقيادة الصهيونية المسيحية.

وفي المحصلة، عارضت تلك الإدارة الإجماعَ الدولي على عدم قانونية المستوطنات في الضفة الغربية؛ ونقلت سفارة الولايات المتحدة إلى القدس وأعلنتها بذلك “العاصمة الأبدية” لإسرائيل؛ وبعثت وفدً دبلوماسيًا في زيارةٍ غير مسبوقة إلى مستوطنة يمولها الصهاينة المسيحيون؛ وتراجعت عن الاتفاق النووي الإيراني لصالح موقف أكثر عدوانية وتأييدًا لإسرائيل ضد إيران؛ وأبرمت صفقات أسلحة عسكرية ضخمة مع المملكة العربية السعودية وحققت تقدمًا في التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج؛ وانسحبت من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بحجة “تحيزه ضد إسرائيل”؛ وتجاهلت كل المطالب الفلسطينية وتقرير المصير فيما يسمى “صفقة القرن.” وما تركَ ترامب منصبه إلا بعد أن وطَّد الدعم الأمريكي للقومية العرقية الدينية اليمينية في إسرائيل وللمشروع الاستيطاني غير القانوني؛ وليس مستغربًا أن وتيرة ضم الأراضي الفلسطينية قد ازدادت أيضًا إبان ولايته.

التفوق الأبيض والصهيونية المسيحية

يعود تاريخ العلاقة بين الصهيونية المسيحية والتفوق الأبيض إلى الصهاينة المسيحيين الأوروبيين الأوائل. وعلى الرغم من أن إعلان وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور لعام 1917 بأن حكومته ستدعم إنشاء “وطن قومي للشعب اليهودي” في فلسطين قد يبدو في ظاهره وكأن فيه الخير لليهود، إلا أنه في الواقع كان يَقطرُ بالتفوق الأبيض ومعاداة السامية. فقد نشأ دعم بلفور للصهيونية من الرغبة في وقف الهجرة اليهودية إلى بريطانيا.

لا ينبغي إذن أن نتفاجأ من إعلان العنصريين البيض المعاصرين إعجابَهم بالصهيونية وتجليها في دولة إسرائيل بينما يعلنون في الوقت نفسه رغبَتهم في أن يغادرَ اليهود “المجتمعات البيضاء” إلى إسرائيل. وهذه هي الحال في زمن بلفور كما هي الحال في زماننا الحالي.

ولعل فكرة الاستثنائية هي خير ما يُعبِّر عن هذه الأيديولوجيات الخطيرة وبربط بينها. إن فكرةَ تفوقِ مجموعةٍ ما على أخرى وأنها تستحق حقوقًا معينة على حساب المجموعات “الدخيلة” – سواء كانت بيضاء أو مسيحية مقابل يهودية أو سوداء أو مسلمة أو غير ذلك كما في حالة ريتشارد سبنسر في الولايات المتحدة، أو بيضاء ويهودية مقابل الفلسطينيين في حالة الصهيونية المسيحية والصهيونية وإسرائيل – هو الذي يولِّد العنف والقمع.

فرص إنجيلية

تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى تناقص دعم الإنجيليين الشباب لإسرائيل. وتقع على عاتق الناشطين من أجل الحقوق الفلسطينية مهمة تثقيف الإنجيليين المنعزلين المناصرين للعدالة الاجتماعية وتوحيد صفوفهم للعمل ضد الاستعمار الاستيطاني والحكم الديني والفصل العنصري الإسرائيلي.

ينبغي لمنظمات المجتمع المدني الداعمة للحقوق الفلسطينية أن تتواصل مع الإنجيليين الشباب والإنجيليين ذوي البشرة الملونة لإقامة روابط بينهم وبين المجموعات التقدمية، كتلك التي تدافع عن السود، وحقوق السكان الأصليين، ومساءلة الشرطة. ولا بد لجهود التواصل هذه أن تؤكِّدَ بالضرورة على الروابط بين الصهيونية المسيحية والتفوق الأبيض والقومية العرقية ومعاداة السامية.
ينبغي لمنظمات المجتمع المدني أن تُثقِّف المسيحيين التقدميين وعموم المسيحيين حول العداء الفاشي الديني اليميني الإسرائيلي المتزايد تجاه المسيحيين وعلاقته بالقومية العرقية والفصل العنصري على نطاق أوسع.
يجب تشجيع المسيحيين على اختيار الحج البديل والسياحة الأخلاقية إلى فلسطين – مثل رحلات الشاهد التي تنظمها منظمة أصدقاء سبيل أو وفود منظمة آي ويتنس فلسطين.

زر الذهاب إلى الأعلى